عالمية ثورة التحرير الجزائرية: صدى الثورة في الإعلام العالمي

لقد كانت ثورة التحرير الجزائرية، التي انطلقت في 1 نوفمبر 1954، حدثًا محوريًا في تاريخ الجزائر والعالم. وبفضل التنظيم المحكم والاستراتيجية الإعلامية التي اعتمدها قادتها، لم تقتصر أصداء الثورة على الجزائر وحدها، بل تجاوزتها لتصل إلى مختلف أنحاء العالم، مسجلةً حضورًا قويًا في الصحافة الدولية منذ الأيام الأولى لانطلاقها.

في المنتدى الذي نظمته وكالة الأنباء الجزائرية تحت عنوان “صدى اندلاع ثورة التحرير المجيدة في الصحافة العالمية”، أكد رئيس اللجنة الجزائرية للتاريخ والذاكرة، السيد لحسن زغيدي، أن العالمية التي حققتها الثورة تحققت في غضون الأسبوعين الأولين من اندلاعها.

ويرجع ذلك إلى السرية المحكمة التي صاحبت تحضير العمليات المسلحة، مما شكل عنصر المفاجأة، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي الاستراتيجي للجزائر والأطماع الاستعمارية المحيطة بها.

وأشار زغيدي إلى أن هذا الحدث لم يلقَ ما يستحق من الدراسة البحثية، معبرًا عن تقديره لمبادرة وكالة الأنباء الجزائرية في طرح هذا الموضوع للنقاش.

تطرق الأستاذ عبد الحميد ساحل من جامعة الجزائر 3 في مداخلته إلى طريقة تناول الصحافة العالمية للثورة، مشيرًا إلى أن الصحف الغربية، خصوصًا الفرنسية، قد حاولت إضفاء طابع الإرهاب على الثورة عبر استخدام مصطلحات مثل “الأعمال الإرهابية” و”الخارجين عن القانون”، في محاولة لتشويه صورتها وربطها بمؤامرات خارجية. كما أشار إلى أن الإعلام الغربي، في البداية، كان يقتصر على نقل الأخبار من الوكالة الفرنسية، التي كانت تتعمد إخفاء جرائم الاستعمار الفرنسي، مثل التعذيب والقتل الجماعي، وتحرف الوقائع لصالح الرواية الاستعمارية.

ومع مرور الوقت، تغيرت معالجة الإعلام الغربي للثورة الجزائرية، بعد تزايد زخمها وظهور الحقائق حول الممارسات الاستعمارية الوحشية. فبعض الصحف الغربية بدأت تسلط الضوء على جرائم الاستعمار الفرنسي، خاصة بعد الكشف عن ملفات التعذيب وإعدام الرهائن. في المقابل، كانت الصحف العربية في طليعة المدافعين عن القضية الجزائرية، حيث تبنت موقفًا داعمًا للثوار، خاصة من خلال دعم أجهزة جبهة التحرير الوطني، مما ساعد في التصدي للدعاية الفرنسية المغرضة.

كما لعبت الإذاعات العربية، مثل “صوت العرب”، دورًا مهمًا في نشر رسالة الثورة، حيث كانت أول من أعلن عن انطلاقها، معتبرة إياها “يومًا جديدًا لحياة الشرف والعزة والكرامة”. وشارك الأدباء والمثقفون العرب في دعم القضية الجزائرية عبر مقالات في الصحف، مثل مقال الأديب عباس محمود العقاد الذي وصف الثورة الجزائرية بأنها “درس نافع للمستعمرين وعبرة للمعتبرين”.

وفي سياق متصل، أشارت الأستاذة وهيبة بوزيفي إلى تطور المعالجة الإعلامية الغربية للثورة الجزائرية، موضحة التدرج الذي شهدته مواقف الصحافة الغربية من التأييد للاستعمار إلى الحياد ثم دعم الثورة. وأكدت أن هذا التغير كان نتيجة للضغط الدولي وكشف حقيقة الانتهاكات الاستعمارية.

في الختام، يمكن القول إن ثورة التحرير الجزائرية قد حققت نجاحًا تاريخيًا ليس فقط على المستوى العسكري والسياسي، بل أيضًا على مستوى الإعلام الدولي، حيث تمكنت من جذب انتباه العالم إلى قضايا التحرر والمقاومة ضد الاستعمار، مما جعلها إحدى الثورات الكبرى التي ألهمت العديد من الحركات التحررية في العالم.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى